الثانوية التأهيلية أحمد زكي العلوي

زلزال الحوز 2023، أي دروس وعبر لصيانة وتأهيل الثروة الغابوية بمنطقة عين الشقف؟

من إعداد التلميذات هجر خربوش، أسماء اليوبي، فاطمة الزهراء بولنوار، نادية خربوش

تأطير الأستاذ : محمد يسين الرگيبي (نادي الاقتصاد و التدبير)

شهدت المملكة المغربية ليلة بيضاء يومه الجمعة 8 شتنبر 2023، وذلك على إثر زلزال الحوز الذي بلغت قوته 7 درجات على سلم ريشتر. زلزال اهتزت له جبال الأطلس وخلف خسائر بشرية، مادية ومالية جسيمة.

لكنه بالمقابل، شكل مناسبة لاستخلاص مجموعة من الدروس والعبر، لعل أبرزها قدرة المغرب على النهوض مجددا ومجابهة كل المخاطر والتحديات بفضل التضامن الوطني لأبناءه وبناته وتعبئة كل الفاعلين الرسميين.

ونحن أمام هذا الحدث نسائل واقع منطقتنا "عين الشقف" وما يفترض أن نكون قد تعلمناه من درس زلزال الحوز.

إن صيانة غابة عين الشقف من أهم التحديات المطروحة أمام السلطات الرسمية والساكنة المحلية بالمنطقة، فكيف السبيل إذن لاستثمار هذه الروح التضامنية، التي تميز المغاربة جميعا، لتجاوز هذا المشكل البيئي واستثمار الموروث الغابوية في أفق تحقيق تنمية محلية مستدامة؟

الإجابة عن هذه الإشكالية تدفعنا للتعريف بهذا الفضاء الغابوي، أهم المخاطر البيئية المحدقة به، وسبل تجاوزها وفق مقاربة تشاركية تصبو تحقيق التنمية المنشودة.

يقصد سكان فاس غابة عين الشقف وبكثافة أيام العطل الأسبوعية للترويح عن النفس، كما يتوجه إليها عشاق الرياضة بالإضافة إلى تلاميذ بعض المؤسسات التعليمية والجمعيات الثقافية للقيام بأنشطة مختلفة. وبذلك تعتبر هذه الغابة رئة مدينة فاس، ومتنفسا وحيدا لساكنتها. وتمتد هذه المنطقة الخضراء تقريبا على مساحة تقارب 46 هكتارا، كما تستقبل ما يناهز 80 ألف زائر سنويا؛ نظراً لما تتوفر عليه من مؤهلات طبيعية مرتبطة بالغطاء النباتي كأشجار الصنوبر الحلبي، السرو، السدر والكاليبتوس. بالإضافة إلى شبكة مائية متوسطة تتمثل في مجرى مائي يتحدى الجفاف، وأصناف متعددة من الطيور والزواحف؛ إلا أنها مع كامل الأسف ما لبثت تحاصر بالزحف الإسمنتي من خلال التجزئات السكنية من كل صوب، الأمر الذي ينتج عنه اختلال التوازنات البيئية، وتهديد الغابة بالاندثار.

في هذا السياق؛ يعبر العديد من ساكنة المنطقة عن تخوفهم من المصير المجهول الذي يتربص بالغابة، كما يتوقع كثير منهم اختفاءها بشكل كامل إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. وفي لقاء مع زوار غابة عين الشقف، عبر أحد الشباب عن الدور الجوهري الذي يؤديه هذا المتنفس مشيرا إلى أنه يرتاد المكان في كل عطلة أسبوعية رفقة أصدقائه للتخفيف من ضغط الدراسة، وتجديد الطاقة لأسبوع جديد؛ وأضاف أنه يقصد الغابة للحفاظ على التوازن النفسي والاستعداد للاختبارات بمعية زملائه، كما يمارسون مختلف الأنشطة الرياضية. كما أكد على ضرورة العمل على حمايتها و استدامتها.

لكن "التوسع العمراني" ليس الخطر الوحيد الذي يهدد الغابة، بل إن التلوث بشتى مظاهره يعد كذلك من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة وساكنيها، حيث أن كثيرا من روّاد غابة عين الشقف يسهمون في تلويثها بالقاذورات والنفايات ولا يلقون بالاً للأضرار التي يتسببون بها، بل الأدهى من ذلك أن بعضهم يلجأ للطبخ هناك مما يشكل خطر إضرام النار في شجيرات الغابة، وهو ما يخالف شروط ضمان صحة جيدة ورفاه للسكان.

وكمبادرة ملهمة وإبداعية للحفاظ على الغابة وضمان استدامتها، أطلق مجلس جهة فاس-مكناس مؤخرا أشغال تهيئة المدارات الغابوية لعين الشقف بعمالة مولاي يعقوب. ويهدف هذا الورش إلى تطوير وضمان استدامة هذا الفضاء الغابوي وكذا تعزيز طاقته الاستقبالية عن طريق تطوير مرافقه الترفيهية. وتندرج هذه المبادرة التي تشرف عليها الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع فاس-مكناس بغية تطوير هذا الفضاء الغابوي في إطار الاستراتيجية الوطنية لتطوير الفضاء الغابوي "غابات المغرب 2020-2030"، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تروم معالجة إشكالية التدهور البيئي و الحفاظ على الغطاء الغابوي و تطويره.

وبهذا الخصوص، صرح لنا السيد عبد الجليل بوحشلاف، باحث في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، أنه بهدف تجاوز سنوات من تدهور الغطاء الغابوي الوطني، الذي تقدر مساحته بتسعة ملايين هكتارا، ومصالحة المواطنين مع الغابة، وتطوير موروث غابوي لفائدة كافة الأجيال والفئات الاجتماعية، أطلق جلالة الملك، محمد السادس، الاستراتيجية الوطنية لتطوير الفضاء الغابوي “غابات المغرب 2020-2030″، في 13 فبراير 2020. و تقوم هذه الاستراتيجية على معالجة إشكالية التدهور الغابوي و الحفاظ على الغابة ومواردها وتطويرها من خلال نموذج تدبير مستدام و مندمج و مدر للثروة.

كما تقترح الاستراتيجية أربعة محاور رئيسية. يرتكز الأول منها على خلق نموذج غابوي جديد بمقاربة تشرك الساكنة، ويخص الثاني تدبير وتطوير الفضاءات الغابوية. والثالث يهدف إلى تطوير وتحديث ورقمنة المهن الغابوية ووسائل تدبير القطاع. فيما يهم المحور الرابع الإصلاح المؤسساتي للقطاع من خلال تأهيل الموارد البشرية، وإنشاء قطب للتكوين والبحث وإنشاء وكالتين، وكالة المياه والغابات، ووكالة المحافظة على الطبيعة.

ختاما، يمكن القول أن زلزال الحوز 2023 كان فرصة لاستخلاص دروس مهمة منها القدرة على التضامن و مواجهة التحديات بفعالية. و إذا كانت غابة "عين الشقف" تحافظ على أهميتها بين سكان فاس كمكان للترفيه و ممارسة الرياضة و المطالعة، فإن التحديات البيئية المفروضة عليها تستدعي استثمار التضامن الوطني من أجل حماية هذا الموروث الطبيعي و الحضاري قصد المحافظة عليه و ضمان استدامته. و في هذا الإطار، لا بأس من التنويه، بالجهود المبذولة من طرف الجهات الرسمية الفاعلة، المجتمع المدني وأفراد المجتمع، وذلك عن طريق طرح برامج ومشاريع، كبرنامج صيانة غابة "عين الشقف"، قائمة على التضامن، الحيطة، المسؤولية والمشاركة، بهدف خلق وسط محلي يحترم البيئة ويحميها، ويكرس سلوكيات وأنماط حياة توازن بين مختلف الأبعاد الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية و خصوصا البيئية.